لطالما شكلت غزة ومقاومتها كابوساً لقادة العدو منذ احتلالها، وقد تصاعدت وتيرة العمليات في مطلع التسعينات حتى وصل الأمر برئيس وزراء الاحتلال "رابين" أن يتمنى أن يصحو ليجد البحر قد ابتلعها، وبعضو الكابينيت الأسبق "حاييم رامون" وغيره من الوزراء أن يطالبوا عام 1993م بالانسحاب من غزة إذ لم يجنو منها سوى الموت، وقد فر الاحتلال من غزة في نهاية الأمر مذموماً مدحوراً تحت ضربات المجاهدين.
وقد تنوعت أشكال العمليات التي نفذها المقاومون وعلى رأسهم كتائب القسام في غزة، فكانت باكورة هذه العمليات بالدهس والطعن ومهاجمة مراكز شرطة الاحتلال، لتدخل بعدها مرحلةٌ مهمةٌ قادها الشهيد القائد عماد عقل وإخوانه بعمليات التجاوز وإطلاق النار من مسافة صفر، الأمر الذي أرهق الاحتلال ودفّعه ثمناً باهظاً، ولم تتوقف هذه العمليات بعد اغتيال القائد عماد فافتُتحت بقتل الكولونيل «مئير منتز» مساعد قائد قوات العدو في القطاع ولم تتوقف منذ ذلك الحين.
العمليات الاستشهادية
شكلت العمليات الاستشهادية ضغطاً كبيراً على الاحتلال وقطعان مغتصبيه في غزة، حيث بدأت مبكراً حين افتتحها في التسعينات معاوية روقة وأيمن عطا الله وصهيب تمراز.
توالت بعدها قوافل الاستشهاديين ليلحق بهم إسماعيل المعصوابي ونافذ النذر وحسين أبو النصر وطارق حميد وريم الرياشي وعمر طبش وغيرهم من الأطهار الذين لا يتسع المقام لذكرهم، ولكن بطولاتهم ستبقى شاهدةً على أن دماءهم الطاهرة عبدت الطريق لفرار العدو من غزة.
اقتحام المغتصبات
عمليات اقتحام المغتصبات بدأت هي الأخرى مبكراً؛ ففي مطلع التسعينات نفذت عدة عمليات كان أبرزها اقتحام مجاهدي القسام لمغتصبة ناحل عوز وقتل ثلاثة مغتصبين، وعملية جاني طال وغيرها.
وقد بلغت هذه العمليات ذروتها مع انطلاق انتفاضة الأقصى، فمن "كيرم شالوم" وغوش قطيف جنوباً إلى دوغيت وإيلي سيناي شمالاً مُرّغ أنف العدو في تراب غزة، وتكبد خسائر فادحة كان من أكبرها الصفعة التي تلقاها في عتصمونا على يد الفتى المجاهد محمد فرحات.
جحيم الآليات
ولم توفر آليات الاحتلال الأكثر تحصيناً في العالم حماية له من بأس المجاهدين في غزة، فلقنوه دروساً في عملية الوحدة 103 الشهيرة شرق الشجاعية عام 2001م، وتفجير الدبابة الشهير قرب “دوغيت” الذي أدى إلى مقتل أربعة جنود عام 2003م، وتناثرت أشلاء جنوده في حي الزيتون إثر استهداف ناقلة الهندسة 2004م.
كما ذاق الأمرين من عمليات القائد عوض سلمي، ولم تمر آلياته في شوارع غزة بسلام ولا زال يتذكر ما فعله به المجاهدون خلال معركة أيام الغضب وغيرها، بما أبدعته العقول المجاهدة من عبوات الشواظ وقذائف البتار والياسين.
الصواريخ المحلية
كما شكلت المقذوفات الصاروخية علامةً فارقةً في الصراع مع المحتل لا زال العدو يتجرع جحيمها حتى يومنا هذا، فمن قذائف الهاون وصواريخ "قسام 1" عام 2001م مروراً بقسام 2 وقسام 3 وصولاً إلى صواريخ المقادمة والرنتيسي والسجيل وليس آخرها صواريخ العطار وأبو شمالة وعياش التي أذاقت العدو الويلات.
كان لهذه القذائف والصواريخ المحلية دورٌ هامٌ في قضّ مضاجع المغتصبين، وجعلهم يولولون ليلاً ونهاراً، حيث أوقعت في صفوفهم عديد القتلى والجرحى وأحالت حياتهم في غزة إلى جحيمٍ لا يطاق.
أسر الجنود
وطالما أن تحرير الأسرى كان هدفاً سامياً للمقاومة، فقد عانى جنود العدو الصهيوني خلال احتلالهم لغزة الأمرين، حيث نفذت كتائب القسام عدداً مهماً من عمليات ومحاولات الأسر، فكان أسر آفي سبورتاس وإيلان سعدون عام 1989م.
ثم توالت العمليات فأسر المجاهدون آلون كرفاني ثم إيلان ليفي ويهود روك وغيرهم، ورغم أن هذه العمليات لم تكلل بالنجاح إلا أن شبح الأسر بقي يطاردهم حتى بعد اندحارهم عن غزة، فلم يكد العدو يستريح من صداع غزة حتى كانت عملية أسر جلعاد شاليط بعد أقل من عام على انسحابه.
من البر إلى البحر
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ابتدعت العقول القسامية تكتيكاً جديداً في عملياتها ضد الاحتلال الجاثم على أرض غزة، لينتقل العمل المقاوم من البر إلى البحر، فكانت عملية الاستشهادي حمدي انصيو عام 2000م، ثم عملية الاستشهادي محمود الجماصي عام 2003م، ثم عملية الاستشهاديين أبو زور ونصار اللذين اقتحما مغتصبة "تل قطيف" عبر البحر عام 2004م ، لتؤسس هذه العمليات بعد ذلك لما هو أعظم حين وصل صداها إلى زيكيم وشواطئ عسقلان.
حرب الأنفاق
وقد كانت آخر فصول الإبداع القسامي إبان الاندحار عن غزة، والقشة التي قصمت ظهر شارون هي جحيم الأنفاق، فقد افتتحت رفح المزاد بعملية تفجير موقع ترميد عام 2001م ثم موقع حردون العسكري 2003م، لتعلن انطلاق أحد أبرز التكتيكات التي بقيت حتى اليوم تقض مضاجع الاحتلال، وذاق منها الويلات في الوهم المتبدد وناحل عوز وأبو مطيبق وموقع 16 وغيرها.
توالت عمليات الأنفاق عام 2004م و2005م لتعجّل باندحار العدو عن غزة على وقع ضربات القسام في السهم الثاقب وبراكين الغضب ومحفوظة.
وهكذا تحققت نبوءة الشيخ الشهيد أحمد ياسين بأن هذا العدو الذي كان يعتبر نيتساريم كـ "تل أبيب" سيرحل عن غزة، وستبقى غزة ومعها كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني كابوساً يطارد المحتل حتى يرحل في وقت ليس بالبعيد عن كل شبرٍ من أرض فلسطين.