يوافق اليوم 17 مارس/ آذار، الذكرى العاشرة لرحيل "خنساء فلسطين" مريم فرحات النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة التغيير والإصلاح، التي سميت بـ"بأم الرجال وأم الشهداء وأم الفقراء، وحاضنة المطاردين".

ولدت بعد النكبة في 24 كانون الأول 1949م بغزة لأسرة بسيطة من قطاع غزة، ولديها 10 من الإخوة و5 من الأخوات، وسكنت حي الشجاعية، تفوقت في دراستها المدرسية، وتزوجت من فتحي فرحات وهي في بداية الثانوية العامة، لكن لم يمنعها الزواج من إكمال دراستها، فواصلت، وقدمت لامتحانات الثانوية وهي حامل بمولودها الأول - سيكون لاحقاً القائد القسامي نضال فرحات - وحصلت على 80%، وأنجبت 6 من البنين و4 من البنات.

خنساء فلسطين أو أم نضال فرحات داعية إسلامية، ومربية، ومقاومة، وسياسية فلسطينية، ونائبة في المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح، وقيادية بحماس، قدمت ثلاثة من أبنائها شهداء في فلسطين، وآوت الشهيد عماد عقل، وكان منزلها منطلق عملياته الفدائية، واغتيل في منزلها بعد اشتباك مسلح مع جنود الاحتلال.

كانت تسمع كثيراً عن وضع الشباب المطاردين الذين لا يجدون بيوتا آمنة ومناسبة لإخفائهم عن أعين الاحتلال ومخابراته، فأشرفت هي على إيوائهم على الرغم من مخاطر وعواقب ذلك الإيواء، وقامت بعرض فكرة حفر الخندق خلف المنزل ليكون مخبأ للشباب المُقاوم المُناضل.

بدأ صدامها بالاحتلال عندما استشعرت أمومتها لأبناء الوطن المناضلين والمجاهدين وكانت البداية عام 1992م.

ظلّ بيتها مأوًى للمقاومين، حيث آوت في بيتها المتواضع الشهيد عماد عقل قائد الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام) وأخطرهم على الاحتلال آنذاك، وكان "عقل" على رأس قائمة المطلوبين حيًّا أو ميتًا، حتى أُطلق عليه "ذو الأرواح السبعة".

تحوّل منزلها إلى غرفةِ عملياتٍ منها ينطلق عماد لتنفيذِ عملياته العسكرية ضدّ الاحتلال، إلى أن وشىَ به أحدُ العملاء، فحاصرت قواتٌ خاصّةٌ صهيونية المنزلَ وكانت مُختبئةً في سياراتٍ مدنيّة، كان وقت أذان المغرب وعمادُ صائمًا، فلمّا علمت أم نضال بالأمر، كان لها الدور في تثبيت عماد، فاشتبك عقل مع جنود الاحتلال وكان معه مُسدّسٌ واحدٌ فقط، فقتلوه على باب المنزل بأكثر من 70 رصاصة.

قدمت أم نضال ثلاثة من أبنائها شهداء في سبيل الله، فكان أولهم محمد فرحات (17 عامًا)، الذي تدرب على يد عماد عقل الذي كانت تؤويه الأسرة، وعلى يد أخيه الأكبر نضال، وقبل خروجه ظهرت مع ابنها "محمد" بتسجيلٍ مُصوّرٍ في مطلع عام 2002م، وهي تُقبّله قُبُلات الوداع، وأوصته بألّا يعود إليها إلا مُثخِنًا في عدوّه محمُولًا على أكتاف الرجال، فذهب في عملية اقتحام قتل فيها 9 جنود صهاينة، داخل مستوطنة عتصمونا في غزة.

بعد عامٍ واحدٍ أي في 2003 قدّمت ابنها الثاني، وهو البكر نضال فرحات (31 عامًا) قائدٌ ميدانيٌّ في كتائب الشهيد عز الدين القسام، وهو أول من صنع صاروخًا في فلسطين، ويُعزى إليه اختراع صاروخ القسام برفقة الشهيد تيتو.

ولم يمر عامان حتى استشهد ولدها الثالث (رواد) بعدما قصفت الطائرات الحربية الصهيونية سيارته في قطاع غزة في عام 2005م، كما قضى ولدها الرابع 11 عامًا أسيرًا في سجون الاحتلال الصهيوني، فما كان منها إلّا أن كانت تُصبّر النساء والناس الذين كانوا يأتون لمواساتها بأبنائها.

قُصِف بيتها أربع مرات، وعندما عرضت حكومة هنية على أم نضال إعادة بناء بيتها بعد قصفه رفضت ذلك إلا بعد ترميم جميع الدمار الذي لحق ببيوت جيرانها جراء القصف.

أكملت أم نضال عملها ومسيرتها، حينما ترشّحت على قائمة حركة حماس كتلة التغيير والإصلاح للمجلس التشريعي الفلسطيني، وسافرت ضمن وفود الحركة إلى بعض الدول، لتجذب المساعدات لأهل غزة بعدما فرض عليهم الاحتلال الصهيوني وحلفاؤه حصارًا خانقًا.

شاركت أم نضال في إطلاق صواريخ القسام بنفسها على المُستوطنات الصهيونية، وكانت في رمضان تتفقّد المُرابطين على ثغور وحدود غزة وتُحضّر لهم طعام السحور.

في يوم 17 آذار 2013م تُوفّيت أم نضال في مستشفى الشفاء بقطاع غزة، بعد صراعٍ مع المرض استمرّ سنوات، بعدما قضت سنواتٍ في رحلاتِ العلاج بين مصر وغزة وسوريا وأُجرِيَ لها عمليات المرارة والزائدة والقلب المفتوح.