
في مشهد مؤثر أشبه بيوم عيد، بدأ صباح يوم الاثنين عودة أكثر من مليون نازح فلسطيني إلى شمال قطاع غزة بعد نزوح قسري استمر لأكثر من عام، في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع.
ووسط تكبيرات العيد وأهازيج وطنية توافدت الحشود عبر شارعي الرشيد وصلاح الدين، حاملين ذكريات الألم وآمال العودة إلى ديارهم التي أجبروا على مغادرتها تحت وطأة القصف والحصار.
على طول الطريق، كان المشهد مؤثراً؛ آلاف النازحين يسيرون مشياً على الأقدام، بينما ينتظر آخرون في مركباتهم على أمل عبور المحاور التي كانت مغلقة أمامهم بفعل الاحتلال. من النصيرات إلى محور ما يسمى (نتساريم)، كان العبور رمزياً؛ عودة النازحين تحمل دلالات التمسك بحق العودة رغم التحديات.
حركة حماس التي قادت المفاوضات نيابة عن فصائل المقاومة، أكدت أن مشاهدُ عودة الحشود الجماهيرية لشعبنا إلى مناطقهم التي أجبروا على النزوح منها رغم بيوتهم المدمّرة، تؤكّد عظمة شعبنا ورسوخه في أرضه، رغم عمق الألم والمأساة.
هذه المشاهد المُفعمة بفرح العودة وحبّ الأرض والتشبّث بها هي رسالة لكلّ المُراهنين على كسر إرادة شعبنا وتهجيره من أرضه، كما تضيف الحركة في بيانها.
حماس شددت على أنَّ عودة أهلنا النازحين إلى بيوتهم يُثبت مجدَّداً فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه العدوانية في تهجير شعبنا وكسر إرادة الصمود لديه، مضيفة "نقف مع شعبنا العظيم في هذه اللحظة التاريخية، وندعو إلى تكثيف وصول كلّ المساعدات والمواد الإغاثية إلى كامل مناطق قطاع غزَّة."
من حهته، التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات قال إن شعبنا الذي أفشل مشروع التوطين عام 1955 وأفشل اليوم خطط التهجير لجنرالات الحرب قادر اليوم أن يفشل خطة ترامب الذي أعلن عنها بالأمس، فمن صمد كل هذا الصمود لا يمكن أن يقبل الترحيل من أرضه مهما كان التهديد والترغيب والدمار.
وشدد على أن عودة شعبنا اليوم يعطينا الأمل بل اليقين التام أننا سنعود إلى أرضنا ومدننا وقرانا التي هجرنا منها عام 1948 في فلسطين التاريخية التي لا نرضى عنها بديلا مهما كان الضغط والإبادة مثلما يعطينا الأمل كذلك بعودة كافة أسرانا وتبييض السجون ليتنسموا الحرية والحياة.
وأهاب بأهلنا العائدين إلى بيوتهم في غزة والشمال والجنوب أن يلتزموا بتوجيهات وإرشادات وتعليمات جهات الاختصاص حفاظا على سلامتهم وتيسير عودتهم نزعا لذرائع العدو في التنغيص والمماطلة.
استسلام كامل وليس نصراً
على الجانب الإسرائيلي، أثارت مشاهد عودة النازحين ردود فعل غاضبة. وصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير هذه التطورات بأنها "استسلام كامل" و"جزء مهين من الصفقة المتهورة". وانتقد الاتفاق الذي سمح بفتح المحاور أمام سكان غزة، معتبراً أن هذا المشهد يُظهر انتصاراً لحركة حماس، ويدعو إلى العودة إلى الحرب و"التدمير الكامل"
من جانبه، أشار المراسل الإسرائيلي دورون كدوش إلى أن هذه العودة تمثل انتصاراً سياسياً واستراتيجياً لحركة حماس، التي استعادت السيطرة الكاملة على شمال القطاع. وأضاف أن عودة الكثافة السكانية العالية ستجعل أي عملية عسكرية إسرائيلية مستقبلية أكثر صعوبة وتعقيداً، خاصة في المناطق المكتظة مثل مدينة غزة.
لكن الذي لم يقله كدوش أن هذه العودة تعد انتصارا لشعب احتضن مقاومته وقبض على جمرها بيده، وصمود أمام أعتى حرب معاصرة استخدمت فيها أطنان هائلة من القنابل المدمرة.
لم يكن النزوح القسري مجرد انتقال مكاني، بل تجربة مريرة لعائلات فقدت بيوتها وأفرادها تحت القصف الإسرائيلي. وبالرغم من صعوبة الحياة في الملاجئ، ظل الأمل بالعودة حياً. صباح اليوم، كان مشهد العائلات وهي تعود محمّلة بمتاعها القليل يحمل رمزية كبرى؛ إرادة الحياة رغم المآسي.
يرى الفلسطينيون في عودتهم انتصاراً لصمودهم، فيما مشهد عودة النازحين إلى شمال غزة هو شهادة على صمود شعب يرفض الاستسلام.