"الرجل الذي هزم ألف رجل"، هكذا عُرف قائد كتائب القسام في الضفة الغربية الشهيد القائد محمود أبو الهنود، الرجل الذي لم يترك موضعاً إلا ذل الاحتلال وجيشه فيه، نجا من عدة محاولات اغتيال وكان في كل محاولة يُثخن في جيش الاحتلال قبل أن ينسحب بسلام.
وتوافق اليوم الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد القائد محمود أبو الهنود واثنين من مساعديه بقصف طائرات الاحتلال لسيارته بعدة صواريخ في نابلس بالضفة الغربية المحتلة.
ميلاد ونشأة
ولد أبو الهنود في قرية عصيرة الشمالية شمال مدينة نابلس عام 1967، ودرس في مدارس القرية، وعُرف بالتفوق الذي دفعه إلى مواصلة تعليمه حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية.
ومع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م كان أبو الهنود أبرز المشاركين في فعالياتها، حتى أصيب بجروح خطيرة عام 1988م خلال إحدى المواجهات التي اندلعت مع جنود الاحتلال على مشارف القرية، واعتُقل لاحقًا لعدة أشهر في معتقل مجدو.
وبعد إطلاق سراحه أصبح أبو الهنود عنصراً فاعلاً في حركة حماس بمدينة نابلس، إلى أن أبعدته قوات الاحتلال إلى جنوب لبنان في كانون أول عام 1992م برفقة أكثر من 400 قيادي وناشط من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
مواصلة الطريق
خلال مدة الإبعاد أُوكلت إليه مهمة إعادة تشكيل خلايا كتائب القسام في الضفة الغربية؛ ليلمس الاحتلال بصمات أبو الهنود فور عودته، فارتفعت وتيرة العمليات البطولية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، حتى بات على رأس قائمة المطلوبين لقوات الاحتلال.
إلى جانب ملاحقة الاحتلال له ووضعه على رأس قائمة المطلوبين، أدرجت السلطة الفلسطينية أبو الهنود ضمن لائحة المطلوبين لأجهزتها الأمنية، حتى اعتقلته عام 1996م في حملة واسعة شنتها السلطة ضد المقاومة في الضفة وقطاع غزة؛ إلا أن أبو الهنود تمكن من الفرار من سجنه في شهر أيار من العام ذاته.
لمع نجم أبو الهنود في سماء الجهاد والمقاومة، وبات الكابوس الذي يُؤرق قادة الاحتلال، حتى قالت مجلة "جيروزلم بوست" في عدد لها إن "على الكيان الصهيوني مهمة ملحة جدًا وهي التخلص من أبو الهنود".
أبو الهنود وصم الاحتلال بالعار وأذلَّ جيشه، وأشرف على التجهيز والتخطيط لعشرات العمليات، بينها خمس عمليات استشهادية أدت إلى مقتل عشرات الصهاينة وإصابة المئات.
فشل متكرر
وفجر السادس والعشرين من أغسطس عام 2000م، تسللت قوة صهيونية خاصة من وحدة "دوفدوفان" تضم مئات الجنود مدعومة بالطائرات المروحية والقوات الخاصة صوب أحد المنازل في قرية عصيرة الشمالية قضاء نابلس.
كان الهدف اغتيال القائد القسامي الكبير محمود أبو الهنود بعدما اتهمه الاحتلال بالمسؤولية عن قتْل عشرات المستوطنين وإصابة المئات، إلا أن أبو الهنود كان متيقظًا لتقدم الوحدات الخاصة، فاشتبك معها من نقطة صفر؛ فقتل ثلاثة من جنودها وأصاب آخرين وفقاً لاعتراف الاحتلال.
إضافة إلى ذلك تمكن أبو الهنود من الانسحاب من المكان رغم إصابته بجروح، وتحول ليل القرية إلى نهار بفعل القنابل الضوئية بحثًا عن أبو الهنود، ليتلخص فشل العملية فيما قال عنها وزير خارجية الاحتلال آنذاك شمعون بيرس "إن عملية عصيرة عار على "إسرائيل".
وشكّلت محاولة اغتيال أبو الهنود في قريته بنابلس عام 2000م، حلقة في سلسلة محاولات القضاء عليه، فبعد أربعة أيام فقط مضت على فشل عملية الاغتيال الصهيونية الأولى، أعلنت أجهزة السلطة الفلسطينية تمكنها من اعتقاله وتقديمه إلى محكمة أمن الدولة العليا الفلسطينية، التي حكمت بسجنه 12عامًا بتهمة عمله المقاوم والانتماء إلى كتائب القسام.
ولم تمضِ أشهر على سجنه، حتى كانت محاولة الاغتيال الثانية في 20 مايو عام 2001م، بعدما قصفت طائرات الـ "إف 16" ولأول مرة السجن المركزي لمدينة نابلس، حيث تحتجز السلطة الفلسطينية القائد أبو الهنود.
معية الله وحدها حفظت أبو الهنود من الاغتيال للمرة الثانية ليخرج من بين الركام ويعود مُطارِدًا لجيش الاحتلال لا مُطَارَدًا منه.
ملهم جبل النار
لم تكن المحاولتان الفاشلتان لتثني الاحتلال عن السعي وراء اغتيال القائد محمود أبو الهنود، فكان على موعد مع الشهادة يوم الجمعة 23 نوفمبر 2001، برفقة المجاهدَين أيمن حشايكة وشقيقه مأمون حشايكة، حين أقدمت طائرات الاحتلال الحربية على استهداف سيارته بخمسة صواريخ أحالت السيارة إلى كومة نار مشتعلة.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمن على استشهاده، ظلت مسيرة أبو الهنود وجهاده منارة ونبراسًا لأبناء جبل النار الذين ساروا على دربه وواصلوا طريقه، فتجربة مقاومة نابلس اليوم المتمثلة بمجموعات عرين الأسود تستلهم جهاد أبو الهنود الذي أذلَّ الاحتلال وكان مُطارِداً لا مُطَارَداً، وهو ما يتبع فتية جبل النار اليوم ويُثخنوا في عدوهم ويجعلوا منه عبرة في كل مرة.
وبعد 21 عامًا على رحيل قائد كتائب القسام في الضفة الغربية محمود أبو الهنود، الرجل الاستثنائي الذي هزم جيشًا كاملاً، ما زالت روحه حاضرة في كل إساءة وجه يُمنى بها الاحتلال من رجال الضفة الغربية الأشداء، ويتقدمون خطوة إضافية في طريق تحرير أرضنا من كنس الاحتلال منها.